.:: الرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم ::.

الإسراء به إلى المسجد الأقصى المبارك والمعراج إلى السماء والظروف التي سبقت ذلك - الحلقة الأولى

==========================================================

عن عُرْوَة، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: (لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ؛ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا).(صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين...)
مجمل شرح هذا الحديث الشريف
يبين القسطلاني في إرشاد الساري، أن معنى (إذ) في قوله صلى الله عليه وسلم: (وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ (إِذْ): أي حين (عَرَضْتُ نَفْسِي) في شوّال سنة عشر من المبعث، بعد موت أبي طالب وخديجة، وتوجهه إلى الطائف، (ابن عبد ياليل ابن عبد كلال) واسمه كنانة، وهو من أكابر أهل الطائف من ثقيف.
(فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي) أي الجهة المواجهة لي، وقال الطيبي: أي انطلقت حيران هائمًا، لا أدري أين أتوجه من شدة ذلك، (فَلَمْ أَسْتَفِقْ) مما أنا فيه من الغم (إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ) هو ميقات أهل نجد، ويسمى قرن المنازل أيضًا، وبينه وبين مكة يوم وليلة (فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ) إليها (فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ) عليه الصلاة والسلام (فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ) الذي سخرت له وبيده أمرها (لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ) قال رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ ذَلِكَ) كما قال جبريل، أو كما سمعت منه (فِيمَا شِئْتَ) استفهام جزاؤه مقدر، أي فعلت.
(إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟) جبلي مكة؛ أبا قبيس ومقابله قعيقعان، وسميا بذلك لصلابتهما وغلظ حجارتهما، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ) أي يوحده، وقوله: {لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا} تفسيره، وهذا من مزيد شفقته على أمته، وكثرة حلمه وصبره، صلّى الله عليه وسلم.(إرشاد الساري، للقسطلاني:5/275-276)
إن مع العسر يسراً
سبق رحلة الإسراء والمعراج حوادث اتسمت بالشدة والابتلاء، تعرض لها الرسول، صلى الله عليه وسلم، فحديث عائشة، رضي الله عنها، المثبت نصه أعلاه، يخبر عن جانب من معاناته صلى الله عليه وسلم، قبيل الإسراء والمعراج، فالحديث يخبر عن الرد السلبي والفظ الذي لقيه النبي، صلى الله عليه وسلم، من أهل الطائف لما لجأ إليهم مهاجراً طالباً المأوى الآمن لدعوته، ويضاف إلى هذا الألم بما يحمله من أبعاد على صعيد المعاناة في مواجهة حملة العداء للنبي، صلى الله عليه وسلم، ودعوته الفتية، إذ ابتلي صلى الله عليه وسلم، على صعيد حمايته والذود عنه، بوفاة زوجه الأولى، وأم معظم أولاده خديجة؛ بنت خويلد، رضي الله عنها، التي كان لها دور بارز في إيناسه ومساندته لما جاءه الوحي حاملاً تكليفه بالنبوة والرسالة، وفي العام نفسه مات أبو طالب.
وتوفيت خديجة أم المؤمنين، رضي الله عنها، بعد موت أبي طالب بثمانية أيام.
ولهذا كان العام الذي توفي فيه أبو طالب وخديجة يُسمى (عام الحزن)، واشتد الأمر على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك كثيراً؛ لأن الكفار تمكنوا من أذيته أكثر مما كان قبل.(شرح فتح المجيد للغنيمان:56 /20)
فاشتدت الأزمة المستعرة بذلك، وكما يقال دائماً: اشتدي أزمة تنفرجي، وصدق الإمام الشافعي بقوله:
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ..... فرجت وكنت أظنها لا تفرج
والله وعد المتقين بالفرج، فقال جل شأنه:{...وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}(الطلاق:2-3) ومن حكمة الله وسعة فرجه، أنه وعد بغلبة اليسر للعسر، فقال سبحانه: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}(الشرح: 5-6)
حادثة الإسراء والمعراج
عقب وصول حال النبي، صلى الله عليه وسلم، ودعوته إلى مرحلة غاية في الشدة والصعوبة، جاء بلسم من السماء، تمثل باستضافة النبي، صلى الله عليه وسلم، في السماء، في رحلة ميمونة عجيبة غريبة مؤنسة، حملت له رسالة طمأنة ومؤازرة، تفيد بأن الأرض إن ضاقت بك وجفتك، فإن السماء تفتح أبوابها السبعة لك، في رحلة عم فيها الخير والكرم، بأمر ملك السماوات والأرض، وقدر الله أن تبدأ هذه الرحلة إلى السماء ليس من رحاب البيت الحرام في مكة المكرمة، حيث يقيم عليه الصلاة والسلام، وإنما انطلقت رحلة المعراج من رحاب المسجد الأقصى المبارك، بعد أن تم الإسراء به صلى الله عليه وسلم، من مكة إلى بيت المقدس، مصداقاً لقوله عز وجل:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(الإسراء:1)
وحدث الإسراء والمعراج مثبت بالأدلة الشرعية، وفي مقدمة حديث طويل عنه في صحاح السنة، يخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، عن تهيئته بدنياً وروحياً له، وعن الشروع بمحطة المعراج الأولى، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ
مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ: (بَيْنَمَا أَنَا فِي الحَطِيمِ، - وَرُبَّمَا قَالَ: فِي الحِجْرِ - مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَدَّ قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ - فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ - فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ البَغْلِ، وَفَوْقَ الحِمَارِ أَبْيَضَ، - فَقَالَ لَهُ الجَارُودُ: هُوَ البُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ - يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا...)(صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب المعراج)
جاء في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، أن مَالِك بْن صَعْصَعَةَ أَنْصَارِيٌّ مُزَنِيٌّ مَدَنِيٌّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ، وَهُوَ قَلِيلُ الْحَدِيثِ، أخبر أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَ الصَّحَابَةَ لَيْلَةٍ أُسْرِيَ بِهِ فِيهَا. وَالْإِسْرَاءُ: مِنَ السُّرَى، وَهُوَ السَّيْرُ فِي اللَّيْلِ. و(الْحَطِيمِ): قَالَ الْقَاضِي، قِيلَ هُوَ الْحِجْرُ؛ سُمِّيَ حِجْرًا لِأَنَّهُ حَجَرَ عَنْهُ بِحِيطَانِهِ، وَحَطِيمًا لِأَنَّهُ حُطِمَ جِدَارُهُ عَنْ مُسَاوَاةِ الْكَعْبَةِ، وقوله: (مُضْطَجِعًا) قَيْدٌ لِلرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ النَّوْمَ وَالْيَقَظَةَ (إِذْ أَتَانِي آتٍ) أَيْ: جَاءَنِي مَلَكٌ (فَشَقَّ) أَيْ: قَطَعَ، (مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ) يَعْنِي نَقْرَةِ نَحْرِهِ الَّتِي بَيْنَ التَّرْقُوَتَيْنِ (إِلَى شِعْرَتِهِ) بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْ عَانَتِهِ، وَقِيلَ مَنْبِتُ شَعْرِهَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي) وَهَذَا الشَّقُّ غَيْرُ مَا كَانَ فِي زَمَنِ الصِّبَا؛ إِذْ هُوَ لِإِخْرَاجِ مَادَّةِ الْهَوَى مِنْ قَلْبِهِ، وَهَذَا لِإِدْخَالِ كَمَالِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ فِي قَلْبِهِ.
مع التنبيه إلى أَنَّ هَذَا مُعْجِزَةٌ؛ فَإِنَّ مِنَ الْمُحَالِ الْعَادِيِّ أَنْ يَعِيشَ مَنْ يَنْشَقُّ بَطْنُهُ وَيُسْتَخْرَجُ قَلْبُهُ، وَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلُوهَا عَلَى الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ، والسَّبِيلَ فِي ذَلِكَ التَّسْلِيمُ دُونَ التَّعَرُّضِ بِصَرْفِهِ مِنْ وَجْهٍ إِلَى وَجْهٍ بِمَنْقُولٍ مُتَكَلَّفٍ، وقوله:(ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ): بِفَتْحِ الطَّاءِ وَتُكْسَرُ، (مِنْ ذَهَبٍ): لَعَلَّ الِاسْتِعْمَالَ كَانَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ، أَوِ الْقَضِيَّةُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا) قَالَ الْقَاضِي: لَعَلَّهُ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَعْنَى جُعِلَ الْإِيمَانُ فِي الطَّسْتِ جُعِلَ شَيْءٌ فِيهِ يَحْصُلُ بِهِ الْإِيمَانُ، فَيَكُونُ مَجَازًا، وقوله: (فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ) مُلِئَ مِنْ حُبِّ رَبِّي (ثُمَّ أُعِيدَ) أَيِ: الْقَلْبُ إِلَى مَوْضِعِهِ الْأَوَّلِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ.
(ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ): هِيَ تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}[هود: 6] فَالْمَعْنَى بِمَرْكُوبٍ مُتَوَسِّطٍ. (دُونَ الْبَغْلِ): أَصْغَرُ مِنْهُ (وَفَوْقَ الْحِمَارِ) أَيْ: أَكْبَرُ مِنْهُ (أَبْيَضَ): بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ أَوِ الصِّفَةِ (يُقَالُ لَهُ الْبُرَاقُ): بِضَمِّ أَوَّلِهِ، سُمِّيَ بِهِ لِبَرِيقِ لَوْنِهِ، أَوْ لِسُرْعَةِ سَيْرِهِ كَبَرْقِ السَّحَابِ وَلَا مَنْعَ مِنَ الْجَمْعِ، وَإِنْ كَانَ يُؤَكِّدُ الثَّانِيَ. قَوْلُهُ: (يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ) أَيْ: يَضَعُ قَدَمَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى بَصَرِهِ وَغَايَةِ نَظَرِهِ، قِيلَ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ كَانَ مُعَدًّا لِرُكُوبِ الْأَنْبِيَاءِ، وَقِيلَ: لِكُلِّ نَبِيٍّ بُرَاقٌ عَلَى حِدَةٍ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَرَاتِبَ الْأَصْفِيَاءِ، (فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ): بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ، أَيْ: رَكِبْتُ عَلَيْهِ بِمَعُونَةِ الْمَلَكِ، أَوْ بِإِعَانَةِ الْمَلَكِ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى صُعُوبَتِهِ، (فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى بَابَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ اسْتَمَرَّ عَلَى الْبُرَاقِ حَتَّى عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ.(مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح:9/3757-3758)
دلالة وعبرة
من دلالات حدوث واقعة الإسراء والمعراج في الظروف الصعبة والشاقة التي كان يتعرض لها النبي، صلى الله عليه وسلم، أن للضيق مخرجاً، وبعد العسر يسر، وظلمة الليل تزول ببزوغ نور الفجر وضوء الشمس التالي، واليقين بهذا يفيد في استشعار الأمل واستحضاره، وطرد الإحباط واليأس عن المشاعر والنفوس والمواقف، فمهما بلغت قسوة البطش، فإن الأمل بالنصر والنجاة لا ينقطع، الذي نرجو الله أن يكون قريباً منا ومن شعبنا ووطننا، فقد طفح الكيل وجاوز الظالمون المدى، وطغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، فنسأل الله أن يصب عليهم سوط عذاب، إنه سبحانه على كل شيء قدير، وإذا أراد شيئاً، فإنما يقول له كن فيكون.
آملين أن ييسر الله متابعة الحديث عن حادثة الإسراء والمعراج إلى السماء والظروف التي سبقتها، حسب الثابت في آيات القرآن، وسنة خاتم النبيين محمد، صلى الله عليه وسلم، وعلى آل بيته الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أفضل الصلاة وأتم التسليم.
21 رجب 1445هـ

تاريخ النشر 2024-02-02
 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس